يعتبر الثامن من مارس محطة تاريخية في تطور المجتمعات البشرية، بحيث يتم من خلاله استحضار دور المرأة في المجتمع، والتذكير بما كانت تعيشه في الماضي- سيما في المجتمعات الغربية- من حيف وظلم لفترات طويلة من الزمن، تمكنت من خلال نضالها وكفاحها ضد القيود الاجتماعية من تحقيق العديد من المكتسبات المادية والمعنوية، بحيث أصبحت المرأة شبيهة بالرجل في العديد من الحقوق والواجبات، وهو ما يمكن اعتباره من وجهة نظر حقوقية وجمعوية إنجازا غير مسبوق للمرأة التي كانت قابعة – حسب وجهة نظر هؤلاء- كراهب في صومعته لا علاقة لها بالعالم الخارجي ولا بما يجري في دنيا الناس.
وتطرح الإشكالية عندما يتعلق الأمر بالمجتمعات المتخلفة أو النامية، إذ أن بروز النقاش حول المرأة وحقوقها على غرار المرأة الأوربية ، لم يكن وليد إفراز موضوعي لتطورات المجتمعات العربية، بل كان نتيجة التأثيرات الثقافية والفلسفية التي وصلت عن طريق الاحتكاك بالمجتمعات الأوروبية، مما طرح إشكالية اغتراب لم يعها أفراد المجتمع العربي، بل حتى المرأة نفسها لم تستوعب درجة التحرر والانفتاح والدينامية الاجتماعية التي وجدت نفسها مضطرة للاندماج فيها، مما أفرز لنا إنسانا بدون هوية نتيجة القطيعة بين الماضي والحال والمآل وبين الواقع والنموذج، إذ أن وضع المجتمعات العربية مخالف لوضع وتطور المرأة في المجتمعات الغربية..
لقد جاء النقاش حول المرأة الأوربية نتاجا لتراكم فكري وثقافي لازمه تطور على مستوى وعي الإنسان الأوربي.. فقد ظهرت عدة كتابات ومؤلفات ناقشت قضية المرأة ومعاناتها وحقوقها، وظهرت جمعيات نادت بتحرير المرأة، مما سيتيح تراكما نظريا أدى في النهاية إلى إعطاء الوجه الحقيقي للنموذج الذي ستكون عليه المرأة، وسيكون ذلك منسجما مع الواقع الأوروبي في مرحلته، خاصة وأن بروز هذا النقاش كان مرافقا لدخول المجتمع الأوروبي في مسلسل ما يعرف بالحداثة.
كما أن تحقيق المرأة لبعض الإنجازات كالخروج إلى العمل كان نتيجة لظرف تاريخي تمثل في الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث إن الخسائر البشرية ستفرز نساء بدون معيل، مما سيضطرها إلى الخروج إلى العمل، وسيصبح ذلك مسألة عادية فيما بعد.
أما على المستوى العربي فقد برز هذا النقاش مباشرة بعد خروج الاستعمار الأوروبي لكثير من الدول العربية والإسلامية كنتيجة للانبهار بالإنسان الأوروبي- وعندما نقول “الانبهار” فهو مصطلح موضوعي في وصف مشاعر الإنسان العربي بعد أن لاحظ التقدم الذي عرفه الإنسان الأوروبي، وواقع التخلف الذي يعيشه في مقابل الإنسان الأوروبي. ونظرا للوضع العام الذي يعيشه المجتمع العربي من تخلف وتراجع على مختلف البنيات الثقافية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والحقوقية.. سيظهر نقاش فكري يتجاذبه اتجاهين:
اتجاه حداثي ينادي باعتناق الحضارة الأوروبية- بما لها وما عليها-، واعتبارها النموذج الأمثل للتقدم وتحقيق التنمية وتدارك التخلف.
واتجاه آخر اعتبر أن ما عرفه المجتمع المسلم من تخلف وانتكاسة حضارية كان نتيجة الابتعاد عن الدين الإسلامي شريعة ومنهجا في الحياة.
هذان التوجهان – أعني الحداثي والسلفي بقطبيه المتشدد والمعتدل- هما اللذان ميزا النقاش على مستوى الساحة الفكرية العربية والذي سينعكس ذلك بشكل كبير على قضية المرأة من جهتين: من جهة كونها تلخص مدى الاختلاف وأحيانا العداوة والقطيعة بين هذين الاتجاهين وحمولة وخصائص كل منهما.
ومن جهة أخرى – ولا سيما على مستوى الاتجاه الحداثي- لو حسمت قضية المرأة لصالحه سيكون قد حقق إحدى أهم الإنجازات المشكلة للبنية التصورية لما ينبغي أن يكون عليه المجتمع.
على كل حال فإنه ليس بمجد – كما يقول مالك ابن نبي- أن نعقد موازنة بين الرجل والمرأة ثم نخرج منها بنتائج كمية تشير إلى قيمة المرأة في المجتمع، وأنها أكبر أو أصغر من قيمة الرجل أو تساويها، فليست هذه الأحكام إلا افتياتا على حقيقة الأمر ومحض افتراء.. فمشكلة المرأة ينبغي أن تصفى أولا من هذه النزعات ثم تحل حلا يكون الاعتبار فيه لمصلحة المجتمع، فالمرأة والرجل يكونان الفرد في المجتمع، فهي شق الفرد كما أن الرجل شقه الآخر.
ولذلك فالموازنة بين الرجل والمرأة في عصر أبانت فيه المرأة عن كفاءات عالية – تفوقت فيها في بعض الأحيان على الرجل- يجب أن تتوقف، ونطرح بدلها نقاشات جادة حول وضعية التعليم والهذر المدرسي، خصوصا في صفوف الفتاة القرويات، وخلق مشاريع مندمجة تروم تحسين أوضاع النساء الأرمل وذوي العوز الاجتماعي.. بهذا الشكل تصح المقارنة بين مرأة الأمس واليوم، وبهذه الرؤيا نخدم قضية المرأة وننهض بأوضاعها ونحافظ على مكتسباتها